جاءت الشريعة الإسلامية برفع الحرج ودفع المشقة عن الناس، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج:78) ، فالعبادات فيها ميسَّرة، وإذا طرأ على المكلف طارئ لا يستطيع معه أداء العبادة أو كان يؤديها بمشقة زائدة.
فيرتفع الحرج حينئذٍ والمشقة تجلب التيسير، ومن ذلك صيام شهر رمضان، فللناس فيه أحوال، فمن كان مسلماً بالغاً عاقلاً مقيماً قادراً سالماً من الموانع فإنه يجب عليه صيام شهر رمضان.
والقسم الثاني من الناس هم من لا يجب عليهم الصوم، وهم على أنواع:
أولاً: الصغير، فالصغير لا يجب عليه الصوم؛ لأنه غير مكلف، وقد مر معنا أن من شروط وجوب الصوم البلوغ، ولكن على ولي الصغير أن يأمره بالصيام تمريناً له على الطاعة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون أولادهم وهم صغار، ويجعلون لهم اللعبة من العهن، فإذا شكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة يتلهون بها .
ثانيًا: المجنون، فالمجنون لا يجب عليه الصوم بالإجماع لعدم تكليفه.
ثالثًا: العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًا لا يرجى زواله، كالشيخ الكبير، والمريض مرضًا لا يرجى برؤه، فلا يجب عليه الصيام؛ لأنه غير مستطيع، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، وعلى العاجز عجزًا مستمرًا أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، وقد كان أنس رضي الله عنه يطعم عن كل يوم مسكيناً بعد ما كبر، ولم يستطع الصوم .
رابعًا: المريض الذي يرجى زوال مرضه : فيجوز له الفطر إذا كان يشق عليه الصوم ، وعليه القضاء عند زوال المرض، لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة:184).
خامسًا: المسافر، فالمسافر يجوز له الفطر بشرط ألاَّ يكون القصد من السفر التحايل على الفطر، وعليه القضاء حينئذٍ، لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة:184) ، و إذا صام المسافر فصومه صحيح، فقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر وبعضهم يفطر، فلا ينكر الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
سادسًا: الحائض والنفساء، فيحرم الصوم عليهما ، ويجب عليهما القضاء بالإجماع .
سابعًا: الحامل والمرضع: وللحامل والمرضع أحوال:
الحالة الأولى: أن تفطرا خوفًا على نفسيهما، ففي هذه الحالة لا يجب عليهما فدية باتفاق الفقهاء، قال ابن قدامة في المغني : لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافًا، لكن يجب عليهما القضاء .
الحالة الثانية: أن تفطرا خوفًا على نفسيهما وولديهما، فيجوز لهما الإفطار، ويجب عليهما القضاء دون الإطعام.
الحالة الثالثة: أن تفطرا خوفًا على ولديهما فقط، ففي القضاء والإطعام خلاف بين العلماء، فقال بعض أهل العلم : إنهما يقضيان ويطعمان، وقال آخرون: إنهما يقضيان فقط، وقال آخرون يطعمان ولا يقضيان. والراجح من هذه الأقوال هو القول الثاني، أنهما يقضيان ولا فدية عليهما لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}
ثامنًا: من احتاج للفطر لدفع ضرورة: كإنقاذ غريق أو حريق ونحوه، فإن لم يستطع إنقاذه إلا بالتقوي بالأكل والشرب جاز له الفطر، بل قد يكون واجبًا؛ لأن إنقاذه واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومثل ذلك من ذهب في طلب تائه من مال أو إنسان، فاشتد به العطش، فله الفطر، ويلحق بذلك أيضاً المجاهد في سبيل الله ليتقوى على القتال، لكن يجب على من أفطر بهذا العذر القضاء.
وبعد: فهذه أقسام الناس في الصيام، وهي مختلفة باختلاف أحوالهم، وهذا دليل على يسر هذه الشريعة، وأنها من عند العليم الخبير، فما على المسلم إلا أن يفقهها ويعمل بها، ففيها سعادة الدنيا والآخرة، والله نسأل أن يوفقنا للعلم النافع، والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم ديناً يضبط سلوكهم ويزكي نفوسهم، فأنزل كتابا مبيناً، وأرسل رسولاً أميناً، فبشر وأنذر، ووعد وحذر.
وجاء بشريعة الله تعالى التي تضمنت الحلال والحرام، حيث أمرت بواجبات، وزجرت عن منهيِّات، كل ذلك بما يصلح الفرد والمجتمع { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14) .
وأحكامه سبحانه وتعالى منها ما هو واجب ومندوب، ومنها ما هو حرام ومكروه ، ومن الحرام ما هو مفسد للعبادة ومنها ما ليس بمفسد، ولما تكلمنا في هذا المحور عن واجبات الصوم كان من المناسب أن نتكلم عن مفسداته.
فإليك أخي الصائم مفسدات الصوم التي يجب أن تجتنبها ليكون صومك صحيحاً مقبولاً إن شاء الله تعالى .
أولاً : الجماع:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت قال ، وما أهلكك؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان ...) وفى الحديث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة فدل ذلك على أن الجماع مفسد من مفسدات الصوم، وهذا محل إجماع بين العلماء
ثانياً : الأكل والشرب:
يحرم على الصائم الأكل والشرب في نهار رمضان، فإذا أكل فسد صيامه لقوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل...}
و المعنى أنه إذا طلع الفجر أمسك الصائم عن الطعام والشراب حتى غروب الشمس، وقد أجمع العلماء على أن الأكل والشرب في نهار رمضان من مفسدات الصوم.