جاء شرعنا الحنيف بالخير ودعا إليه، وحثَّ على اغتنام الأوقات والمناسبات من أجل التزود بطاعة الله، وكان من أهم تلك الأوقات والمناسبات التي أكد الشرع الحنيف على اغتنامها، شهر رمضان المبارك.
فأهاب بالمسلم أن يغتنم فرصة هذا الشهر الكريم - شهر نزول القرآن - ليتزود بعمل الطاعات، عملاً بقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197) وعملاً كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده ) حديث حسن.
ومن السنن المستحبة، التي سنها رسول هذه الأمة في شهر رمضان، صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على استحبابها، وعلى أنها شعيرة ثابتة من شعائر هذا الشهر الكريم، وذلك عملاًَ بقوله صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري و مسلم ، وقد صلاها صلى الله عليه وسلم من غير أن يواظب عليها، مخافة أن تفرض على أمته .
وقد ثبتت مشروعية هذه السنة في حديث رواه البخاري و مسلم ، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها سُئلت عن كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ) وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لا يدل على وجوب هذا العدد، فتجوز الزيادة عليه .
واستمر المسلمون على هذا، يصلون صلاة التراويح كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يصلونها كيفما اتفق لهم، حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد يصلي بهم التراويح، وكان ذلك أول اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان.
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: ( خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع - أي جماعات متفرقة - يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط - الجماعة من الرجال - فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيِّ بن كعب . ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها، أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله ) .
وروى سعيد بن منصور في "سننه" ( أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبيِّ بن كعب ، فكان يُصلي بالرجال، وكان تميم الداري يُصلي بالنساء ).
فَلْتُحَافظْ - أخي المسلم - على هذه السُّنَّة المباركة، ولْتَحْرصْ على أدائها مع الجماعة، لتكون من الفائزين والسعداء {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} (الشعراء:88-89) ونذكِّرُك بقول الله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً} (المزمل:20). وفَّقنا الله وإياك لما يحب ويرضي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتقبل الله طاعتنا وطاعتكم.