شُرعت العبادة في الإسلام لحكم عظيمة ، وفوائد جليلة ، قد يبدو بعضها ظاهراً للعيان ، ولا يعرف البعض الآخر ، فليس للعبد إلا التسليم والإذعان لله الواحد الديان ، ومن العبادات العظيمة الزكاة .
التي شرعت لحكم عديدة ، منها : محو الذنوب ، وتزكية النفوس ، قال تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (التوبة :103) . وزكاة الفطر نوع من أنواعها ، مرتبطة بشهر رمضان ، والانتهاء من الصيام ، وقد شُرعت في السنة الثانية من الهجرة .
وكان من حكمة مشروعيتها إضافة لما سبق تطهير الصائم مما عسى أن يكون وقع فيه من اللغو والرفث ، ومن أجل أن تكون عوناً للفقراء والمساكين ، ولإغنائهم عن السؤال يوم العيد ، ففي الحديث : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، طهرة للصائم من اللغو ، والرفث ، وطعمة للمساكين) رواه أبو داود ، و ابن ماجه ، وصححه الألباني .
وزكاة الفطر واجبة على كل فرد من المسلمين ، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد . ففي الحديث : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس ، صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، على كل حر ، أو عبد ، ذكر ، أو أنثى من المسلمين) متفق عليه .
أما مقدارها فهو صاع من قوت البلد ، وقد كان القوت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم هو الشعير والزبيب والتمر ، وفي أيامنا هذه الأرز ونحو ذلك .
وأكثر العلماء على عدم جواز إخراج القيمة بدلاً من الطعام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من طعام ، ومن المعلوم أن ثمن الصاع يختلف باختلاف جنس الطعام ، وهذا يدل على أن المعتبر الصاع لا ثمنه .
ووقت إخراج زكاة الفطر من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى صلاة العيد ، ففي الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه ، ويجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين ، ولا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود ، و ابن ماجه ، وصححه الألباني .
أما مستحقوها فهم : فهم الفقراء والمساكين ، لما تقدم من كونها طعمة للمساكين .
وبذلك ينعم المجتمع الإسلامي ، ويسعد كل أفراده وفئاته ، فكما يفرح الصائم بإكمال صوم شهر رمضان ، وبفطره ، وبالعيد السعيد ، يفرح كذلك الفقير بما يجد من إحساس الأغنياء به ، وتفقدهم لأحواله ، واعتنائهم به ، إلى جانب سد جوعته ، وستر عورته .
إنه تشريع العليم الحكيم ، الذي خلق الناس ، وقسم الأرزاق بينهم اختباراً وابتلاءاً ، فاللهم وفقنا لصالح الأعمال ، وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها .
شرع الله لعباده ديناً كاملاً، فلم يدع لهم أمراً إلا وبيَّن لهم فيه حكمه، وأرشدهم إلى المنهج الذي يضبط سلوكهم ويُعينهم على إعمار حياتهم.
والعيد عند المسلمين، لم يخرج عن هذه القاعدة، حيث جاء الشرع الحنيف بأحكام خاصة به، ليوجه سلوك المسلم في هذه المناسبة وفق شرع الله وسَنَنَه، ويطلب منه أن يلتزم بها، ويراعي الآداب التي شرعت لأجله.
ومن الأحكام الواردة بخصوص هذه المناسبة ما يلي:
1- حرمة صوم يوم العيد، لما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه صلى قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: (يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نُسُكَكَم) .
2- يستحب الإكثار من التكبير في ليلة العيد، لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (البقرة: 185) والتكبير يكون من غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويستمر حتى صلاة العيد، ويكون عاماً في الأماكن كلها، ولا تكبير في عيد الفطر عقب الصلوات المفروضة.
وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإن كبَّر ثلاثاً فهو حسن، والأمر في هذا واسع .
3- ويُستحب الاغتسال للعيد والتنظف له، وقد ثبت هذا عن ابن عمر رضي الله عنه من فعله، وهو معروف باتباعه للسنة، ويُستحب كذلك لبس أفضل الثياب، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته) رواه أبو داود .ويوم العيد يشبه يوم الجمعة من حيث المعنى، فكان من السنة فعل ذلك.
4- ومن السنة أن يأكل قبل الخروج للصلاة لحديث أنس رضي الله عنه : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) رواه البخاري. وعلَّل ذلك ابن حجر بأن ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم.
5- ويُستحب أن يخرج إلى العيد ماشياً، فعن علي رضي الله عنه قال: (من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج) رواه الترمذي وحسَّنه
ومن السنة أن يخرج إلى العيد من طريق ويعود من غيره، لفعله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري .
وقد ذكر أهل العلم لذلك عللاً كثيرة، منها " إظهار شعيرة الله بالذهاب والإياب لأداء هذه الفريضة، ومنها إغاظة المنافقين، ومنها السلام على أهل الطريقين، ومنها شهادة سكان الطريقين من الجن والإنس، ومنها التفاؤل بالخير بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، ومنها قضاء حاجة من له حاجة في الطريقين، ولا مانع من صحة كل ما ذكروه من العلل، كما أنه لا مانع أن تكون هناك علل أخرى".
6- ولا بأس بخروج النساء يوم العيد لحضور الصلاة وشهود الخطبة، واستحب ذلك بعض أهل العلم. وكل ذلك مشروط بأمن الفتنة، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، وذوات الخُدُور، فأما الحُيَّضُ فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين) .
ويجب على المرأة في العيد وفي غيره أن تخرج غير متطيبة، وغير مرتدية ثياباً ملفتة للانتباه، أو لباساً غير شرعي.
7- ومن السنة أن يُصلَّى العيد في المصلَّى، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى) متفق عليه. ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر.
8- ولا بأس بالتهنئة في العيد، كأن يقول لمن لقيه: تقبَّل الله منا ومنكم، وأعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة، وعيدكم مبارك، ونحو ذلك، لحديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنهم كانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال أحمد : إسناد حديث أبي أُمامة إسناد جيد. قال ابن تيمية – رحمه الله – "وقد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة من بعدهم، كأحمد وغيره".