ثالثاً - أخطاء تقع عند الإفطار :
1- من أخطاء الصائمين عند الفطر تأخيره بعد أن يدخل وقته ، وذلك خلافاً للسنة التي دعت إلى تعجيل الفطر ، كما ثبت في الحديث المتفق على صحته .
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . فينبغي للمسلم إذا حان وقت الإفطار أن يبدأ بالفطر ، ثم يدعوا ما شاء الله له ، ثم يقوم إلى صلاته .
2- ومن الأخطاء التي تقع عند الإفطار أيضاً ما يفعله بعض الصائمين من الفطر على ما حرم الله كالخمر والسجائر ، ولا شك أن الصوم فرصة عظيمة للتوبة من هذه الخبائث ، فمن استطاع أن يتركها نهاراً كاملا ، لا يعجزه - بالصبر والعزيمة - الإقلاع عن هذه الخبائث في ليله أيضاً ، حتى إذا انتهى رمضان كان قد تعود على تركها ، فيسهل عليه المداومة والاستمرار على ذلك .
1- ترك البعض التسحر ، وهذا خلاف السنة ، وحريٌ بمن ترك السحور أن يضعف عن الصوم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه .
حال السلف في رمضان
عرف السلف الصالح قيمة هذا الموسم المبارك ، فشمروا فيه عن ساعد الجد ، واجتهدوا في العمل الصالح ، طمعاً في مرضاة الله ،ورجاء في تحصيل ثوابه .
إن في مطالعة سير هؤلاء الصالحين وأحوالهم ما يشجع العبد ويدفعه للتشبه والاقتداء بهم ، واللحاق بركبهم .
فأما حالهم مع القيام ، فقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحين من هذه الأمة ، تقول عائشة رضي الله عنها : لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا . كما في سنن أبي دواد
وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء ، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ، ثم يقول لهم : الصلاة الصلاة ، ويتلو هذه الآية : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } (طه 132) .
وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية : { أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } (الزمر 9) ، ويقول : ذاك عثمان ابن عفان رضي الله عنه ، وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته ، حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة .
ويقول علقمة ابن قيس أحد تلاميذ ابن مسعود : بِتُّ مع عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ليلة ، فقام أول الليل ، ثم قام يصلي ، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه يرَتِّل ولا يرَجِّع ، يُسْمِعُ من حوله ، ولا يُرَجِّع صوته ،حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها ، ثم أوتر .
وأما حالهم مع الصدقة ، فقد كانوا يحرصون على زيادة الإنفاق في هذا الشهر ، ومساعدة المحتاجين بالمال أو الطعام ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم .
ولما مات زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فَقَدَ بعض الناس ما كان يأتيهم من طعام في الليل ، فلما غسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره ، فسألوا عن ذلك ، فقيل لهم : كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ، قال أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين .
ومن ذلك حرصهم على إطعام الطعام ، وتفطير الصائمين ، كما قال الله عن عباده الصالحين : { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكوراً } (الإنسان 8-9) .
وقد يؤثر أحدهم بفطوره وهو صائم ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين ، وربما علم أن أهله قد ردُّوهم عنه فلم يفطر تلك الليلة ، وكان كثير من السلف يُطْعِمُ إخوانه الطعام وهو صائم ، ويجلس يخدمهم ، منهم الحسن البصري و ابن المبارك .
قال أبو السوار العدوي : كان رجال من بني عدي يصلُّون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس .
وأما حالهم مع القرآن ، فكانوا يكثرون من قراءة القرآن في هذا الشهر ، وربما تركوا مدارسة العلم ليتفرغوا للقرآن ، فكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة ، وبعضهم يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، وكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان الزهري إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على قراءة القرآن من المصحف ، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن .
ولم يكن من هديهم هذُّ القرآن كهذِّ الشعر دون تدبر وفهم ، بل كانوا يتأثرون بكلام الله ،ويخشعون عند تلاوته ، ويحركون به القلوب ، قدوتهم في ذلك أخشى الخلق وأتقاهم لله نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما إخلاصهم ، فقد كانوا أحرص ما يكون على إخفاء أعمالهم ، وتحري الإخلاص فيها ، خوفاً على أنفسهم من الرياء ، فهذا التابعي الجليل أيوب السختياني كان ربما حدث بالحديث فيرِقُّ له ، فيلتفت فيمتخط ويقول : ما أشد الزكام ؟ يُظْهِر أنه مزكوم لإخفاء البكاء ، وكان يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة ، وعن محمد ابن واسع قال : لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون عند رأس امرأته على وسادة واحدة ، قد بلَّ ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته ، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه ، وعن ابن أبي عدي قال : صام داود ابن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ، وكان خزازاً يحمل معه غداءه من عندهم ، فيتصدق به في الطريق ، ويرجع عشياً فيفطر معهم .
وبعد أخي الصائم : فهذه قطوف وشذرات من حال سلفنا رحمهم الله ، تشحذ الهمم ، وتقوي العزائم ، فاحرص على أن تعيش رمضان كما عاشه نبيك صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من بعده ، الذين قدروا هذا الشهر حق قدره ، واغتنموا أيامه ولياليه فيما يقربهم إلى ربهم .