ليس المقصود بعنوان هذا المقال (العمل في رمضان) الحديث عن الطاعات والقربات المشروعة في رمضان - كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة - وإنما نرمي من مقالنا هذا الحديث عن العمل اليومي - المهني - خلال شهر رمضان، وبيان موقف الناس منه.
فقد يرى بعض الناس - بل هناك من ذهب حقيقة - إلى أن صيام رمضان يسبب تعطيل الأعمال والمصالح الدنيوية العامة، وأنه يخفض نسبة الإنتاج الوطني، بل إن بعض من لا خلاق له دعا العمال إلى الإفطار في رمضان، بحجة الحفاظ على مستوى الإنتاج.
والسؤال الذي يقدمه مقالنا هذا، ونود الإجابة عنه هو: هل الصيام حقاً يتعارض مع مصلحة الإنتاج والنهوض الاقتصادي الوطني ؟ أو أن الأمر غير ذلك.
ونسارع إلى القول بداية فنقول: إن كان هناك ضعف في مستوى الإنتاج - حقيقة -خلال شهر رمضان، فليس مرد ذلك إلى الصيام، بل إن مرد ذلك - في واقع الأمر - يعود إلى العادات والممارسات الخاطئة التي يمارسها كثير من الناس خلال هذا الشهر الكريم، إذاً فليست المشكلة في الصيام، وإنما في سلوك بعض الصائمين، هذا أولاً.
ثم من ناحية أخرى نقول: إن في الصوم - عند التحقيق - فائدة أي فائدة في تنمية ورفع مستوى الإنتاج، دليلنا على هذا، أن الصوم مثلاً يلغي وجبة غذائية - على الأقل - تقع في وقت العمل، وهذا يوفر وقتاً يمكن الإفادة منه لصالح الإنتاج، فضلاً عما يوفره من حجم الاستهلاك. ومما يؤسف له هنا، أننا نرى كثيراً من العمال - في غير رمضان - يضيعون من الأوقات في تناول طعامهم وشرابهم ما لا يخفي على أحد، فكيف يمكن القول - حينئذ - إن الصوم يخُفض نسبة الإنتاج، إن هذا لشيء عجاب.
ونقول أيضاً: إن من فوائد الصوم الاقتصادية أنه يمنع المدخنين من التدخين، ومعلوم لكل منصف أن ممارسة التدخين أثناء العمل وفي غيره، فيه من ضياع الوقت ما فيه، فضلاً عما يسببه من ضعف جسدي ونفسي للمدخنين، أو ما يسببه من إتلاف صحي واقتصادي وبيئي، فالصوم في الواقع يجنبنا كل هذه الأمور التي تعود بالنتائج السلبية على الفرد والمجتمع في آنٍ معاً.
ثم إن علينا أن ننظر إلى هذه المسألة من منظار المصالح والمفاسد والموازنة بينها، وانطلاقاً من هذا نقول: إذا كان الصوم في رمضان يسبب - جدلاً - انخفاضاً في مستوى الإنتاج، فإننا - بالمقابل - يجب علينا أن ننظر إلى الآثار الإيجابية التي يحققها الصوم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وعند النظر الفاحص والموازنة العادلة في هذه المسألة نرى أن نتائج الصوم الإيجابية أكبر وأعظم من نتائجه السلبية - هذا على فرض أن يكون للصوم نتائج سلبية - وسواء في ذلك النتائج المادية المعنوية أم النتائج العاجلة أو الآجلة.